الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

موقف فلسفي : طبيعة المعرفة الإنسانية

طبيعة المعرفة الإنسانية

لقد كانت إشكالية طبيعة المعرفة الإنسانية محط اهتمام عدد من الفلاسفة ، كان أبرز هؤلاء الفلاسفة نجد جون لوك و ديكارت و آخرون ... إذ طرحوا مجموعة من الأطروحات الفلسفية ساعين من خلالها إلى معرفة طبيعة المعرفة التي يتمتع بها الكائن البشري ، كما اختلف الفلاسفة حول مصدر المعرفة الإنسانية ، ففي الوقت الذي يرى فيه ديكارت أن العقل هو مصدر المعرفة الإنسانية ؛ معللا بذلك إتبات وجوده بالفكر عبر مقولته الشهيرة المعروفة بالكوجيطوا الديكارتي ، نجد جون لوك يرى عكس ذلك فطبيعة المعرفة الإنسانية لديه تكتسب عن طريق ملكة الحس ؛ فلولا التجربة ما اكتسب الإنسان المعرفة ، و هناك من الفلاسفة من جاء موقفه تركيبيا للموقفين ورأى أن المعرفة الإنسانية لا تتم إلا عبر اتحاد ملكة الحس بملكة العقل .
و كمحاولة مني لإبداء رأيي حول طبيعة المعرفة الإنسانية ، أقف إلى جانب الفلاسفة الذين يرون أن طبيعة المعرفة الإنسانية هي نابعة من ملكتي العقل و الحس ، إن العقل البشري يدخل في علاقة وطيدة مع ملكة الحس يستحيل الفصل بينهما ، فلا العقل يكون المعرفة دون الحاجة للحس ؛ و العكس بالعكس ، فمنذ أن وُجد الإنسان و هو يعجز عن تشكيل أدنى معرفة دون تخالج الملكتين معا ، فالعاقل قادر على التفكير في أمور عدة لكنه لا يقدر على الوصول لحقيقة ماهيتها ، و الحس الذي نستمد منه التجربة ؛ فهذه التجربة لا توصل للمعرفة دون إخضاع معتياط التجربة لعمليات عقلية تظهر طريقة التعامل معها و كيف نستغلها كي نصل من خلالها للحقيقة ، فملكة الحس و العقل وحدة لا يمكن تجزئها ، فاتحادها معناه اكتساب المعرفة ، و انفصالها يعني فقدان المعرفة .
و كمثال على كون وجودهما معا هو مصدر المعرفة ، فالنار مثلا لو وجدت نصب أعين إنسان لم يعرفها قط و لم يدري ماهيتها و هل هي خطيرة أم غير ذلك ، فلو تأمل النار و جعل يفكر بعقله بُغية كشف ماهيتها أتُراه يفلح !!؟؟، طبعا لن يصل لأية نتيجة و سيضل الشئ الذي نصب أعينه مجهولا ، و في المقابل لو أقصينا العقل و تحاكمنا للحس وحده في مثال النار ، فبلمس النار تتشكل لدى المرء خطورتها ، لكنه طبعا وصل لتلك المعرفة عن طريق الحس فقط ؛ و بالتالي لو أوقدنا نارا أخرى بقربه ؛ فقد يضع يده لكي يجرب ماهيتها مجددا ؛ لأنه لا يدري أن النار الأولى مثلها مثل الثانية ، و ما استنثجه من الأولى هو كذلك يسري على النار الثانية ؛ و بالثالي فالمعرفة هنا ليست مكتملة ، و لو جمعنا الملكتين معا أي الحس و العقل في المثال نفسه ، فبمجرد أن يلمس النار و يدري خطورتها و تأثيرها الحارق على يديه ، تصبح تلك النار مقياسا لأي نار أخرى مهما اشتد لهبها أو صغُر أو كبُر حجمها ، فملكة القياس التي ينتجها العقل قاعدة تسري على الجميع ، و من هنا تتبين لنا أهمية إتحاد ملكتي العقل و الحس في إنتاج المعرفة الإنسانية .
 فالحس يكسب تجارب ؛ و هذه التجار تبقى غير ذاة قيمة إلا بتدخل ملكة العقل عن طريق التفكير ، و القياس و تحليل معطيات الحس و من تم إصدار معارف لا تتم إلا بوجود الملكتين المساهمتين في إنجازها ، و يمكن أن نسمي هذا النوع من المعرفة الذي ينتج عن إتحادهما ملكتي الحس و العقل  بالمعرفة الكلية الحقيقية و اليقينية ، لأن الإقتصار عن الواحد دون الآخر ينتج كذلك معرفة ؛ لكن طبيعة هذه المعرفة تكون جزئية و هشة ، و غالبا لا يستفاذ منها كما لا تكون ذاة قيمة .

                                                              
معتز العربي

ليست هناك تعليقات: