
أرى الدهشة على مُحياك و أنت تقرأ العنوان ، و علامات التساؤل تعتريك ، لكنها الحقيقة ، عين الإنسان إما أن تلاحظ أو ترى ، فبعضنا يرى و بعضنا يلاحظ ، و لكن حضور أحدهم لا يعني إقصاء الآخر ، فكلاهما يمتزجان في بصر الإنسان ، إلا أن أحدهما يطغى على الآخر ، و حتى لا يلتبس عليكم الفهم فالرؤية هي الفعل الذي تقوم من خلاله العين بإلقاء الضوء على الشيء بُغية معرفته و من تم إخضاعه لعمليات عقلية من خلالها يعرف كل منا الطريقة السليمة للتعامل مع هذه الأشياء .
أما الملاحظة فهي أن تمر العين البشرية على الشيء دون التفرس فيه ، لأنه ببساطة ليس هدفا لها ، و إلا لأطالت النظر قليلا حتى تكتشف ماهيته ، و هذه رؤية ناقصة لا يخلوا صاحبها من مشاكل خاصة الإجتماعية منها، و لنا أمثلة عديدة في مجتمعاتنا بهذا الصدد ؛ كأن تمر على صديق لك أو أحد معارفك كيف ما كان ، دون أن تنتبه إليه ، بمعنى أن تلاحظه ، و هذه الملاحظة حالت دون إخضاع الشخص الذي مر عليه البصر إلى عمليات عقلية قصد التعرف عليه ، ثم يأتي هذا الشخص و يحتج عليك غاضبا بحجة أنك رأيته و أبيت إلقاء التحية عليه ، مما قد يؤدي بك إلى فقدان هذا الشخص .
و ما يميز الرؤيا هو الدقة ، بحيث أن المرأ ينتبه إلى ما يحيط به ، و يستطيع تذكره كلما استدعى الأمر ذلك ، كأن يسألك أحد عن مكان ما قد مررتَ به و تجيبه على الفور بسرد مفصل لتضع السائل أمام المشهد كما هو ، أما ما يميز الملاحظة فهو غياب التركيز و الإنتباه ، و يقوم هذا الأخير على السير نحو الهدف باعتبار المحيط هامشا ؛ كأن يقصد شخص مقر العمل و هو في مسيره يفكر في الأجواء التي قد تحيط بالمكان الذي ينوي الوصول إليه ، و لو سألته عن بعض الأماكن التي مر عليها أثناء مسيره حتما سيكون جوابه : لم أنتبه ، إذن فالمحيط الذي مر به هنا هو بالنسبة له شيء هامشي ؛ لأنه لم يعره الأهمية التي أعطاها للتفكير في المكان الذي يريد الوصول إليه ، فالعقل هنا لا يعمل على تجميع الصور التي يمر بها الشخص على أرض الواقع ، بل ينتج صورا أخرى خيالية عن طريق التفكير ، و الصور التي ينتجها العقل هي صور مستقبلية قد لا تتحقق في الواقع .
و الناس في هذا الصدد صنفين ، صنف يغلب على بصره الملاحظة ، أما بالنسبة للرؤيا فهي تأخذ حيزا ضعيفا ، و الصنف الثاني عكس الذي تقدم ، هذا الصنف الأخير من الناس يتميز غالبا بكونه إجتماعي ، لأنه يحتاج إلى نقل ما ترسخ في ذهنه من مشاهد عن طريق الرؤيا إلى غيره حتى يشاركه مضمونها و يتفاعل هو الآخر معها ، و الصنف الأول من الناس في عامتهم إنعزاليين ؛ بمعنى ليسوا كثيروا الإندماج مع المجتمع إلا لضرورة ، و ذلك راجع إلى كون الملاحظة الطاغية على بصرهم حالت دون إحاطة العين بمحيطها بشكل مدقق ، و بالتالي عدم إنتباه المرء لما يحيط به يحتم عليه أن لا يكون اجتماعيا ؛ لأن ذاكرته لم تخزن سوى مشاهد قليلة قد يتناولها مع شخص أو شخصين ، عكس الصنف الذي يطغى على بصره الرؤيا فذاكرته لغزارة ماقامت بتجميعه تسمح له بالخوض في مواضيع متنوعة مع المجتمع دون انقطاع حديث .
و الإنسان يجب عليه أن يحمد الله تعالى على الحالة التي اختارها له ، فإنها لا تخلوا من حكمة .
و لقارئ هذا الموضوع أن يضع نفسه في أي صنف هو !؟
معتز العربي 27 / 02 / 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق